تاريخ قانون التسلل في كرة القدم.. من صاحب فكرته ومتى طُبق لأول مرة؟
نجيب معكم في هذا التقرير التاريخي المفصل عن عدة تساؤلات تخص تاريخ تطبيق قانون التسلل في كرة القدم، فلماذا تم اختراع هذه القاعدة المعقدة، ومتى بدأ العمل بها للمرة الأولى؟
هل حقًا يتسبب قانون التسلل في إعاقة حركة المهاجمين، وهل يُكثر من التحضير في منتصف الملعب لحين ظهور ثغرة في الدفاع قبل التمرير للاعب الذي يضبط نفسه مع آخر مدافع؟
بالطبع سألت نفسك “ماذا لو ألغي قانون التسلل من كرة القدم”؟ وبدأت تتخيل بعض السيناريوهات مثل أن المباريات ستكون أكثر “متعة” من دون قانون التسلل مما هو عليه الآن وأكثر غزارة تهديفية.
لا شك في أن قانون التسلل أضاف مُتعة وجمالية لكرة القدم عكس ما يعتقد بعض عشاق اللعبة، فقبل تطبيقه كانت الكرة منغلقة أكثر ولا تحظى بتلك الإثارة والصعوبة والتشويق والفنيات كما هو الحال في هذه الأيام، فقد أصبحت الفرق تُركز على اختيار صناع ألعاب أمهر ومهاجمين أسرع يمكنهم التعامل مع مصيدة التسلل.
بعد تطبيق قانون التسلل صارت لجميع أعضاء الفرق عدة أدوار يقومون بها على مدار ال90 دقيقة، وزادت الخطط التكتيكية أكثر، وتشعبت المدارس الكروية في أوروبا وأميركا اللاتينية وأفريقيا قبل أن تعرفها باقي قارات العالم.
الكرة مرت بالكثير تلك التطورات بفضل قانون التسلل، وهذا ما سنبدأ في استعراضه معكم في سياق هذا التقرير عن “قانون التسلل” الذي يشمل أجزاء مُترجمة من كتاب “تاريخ التسلل” للكاتب الإنجليزي الشهير “يوليان كاروسي”.
كيف تغيرت اللعبة بعد قانون التسلل؟
التسلل هو أحد قوانين اللعبة، وينص على أن اللاعب في موقف تسلل عند لمس الكرة بعد تمريرها من قبل زميله في الفريق، إذا كان أقرب إلى خط المرمى من الكرة ومن اللاعب قبل الأخير من الفريق المنافس.
وهناك اختلاف ما بين أن يكون اللاعب في “حالة تسلل” أو أن يرتكب اللاعب “مخالفة تسلل”، فوجود اللاعب في حالة تسلل لا يعني أنه قام بمخالفة التسلل، ما هو الفارق إذاً؟ يعتبر اللاعب مرتكباً لمخالفة التسلل عندما يكون أولاً في حالة تسلل، وأن يكتسب ميزه بكونه في هذه الحالة، كأن يتم تمرير الكرة له مباشرة، أو أن يتدخل لإعاقة مدافعي الخصم.
الموضوع في البداية كان معقدًا، ولم تقبله الجماهير، خاصة في ظل القواعد القديمة التي طبق بها هذا النظام، والذي كان يفرض الكثير من القيود على اللاعبين داخل أرضية الميدان، ولكن بعد ذلك أصبح أحد أهم القوانين التي تنظم اللعبة، وتتحكم في الطريقة التي تتجاوز بها خط المرمى.
للتعرف أكثر على كيف بدأ “التسلل”؟ وما هي مراحل تطوره حتى وصل إلى شروطه الحالية؟ يجب الرجوع للعام الأول الذي لعبت فيه كرة القدم بقواعد التسلل، ومن ثم ستستمر الحكاية.
متى بدأ استخدام قانون التسلل؟
ليس صحيحًا أن كرة القدم استمرت لسنوات من دون قاعدة “التسلل”، بل بدأ مناقشتها مع الأعوام الأولى لإطلاق اللعبة، في النصف الأول من القرن التاسع عشر، داخل المدارس الإنجليزية، وفي عام 1848 تحديدًا زج بأول قواعد للتسلل من ضمن “قواعد مدرسة كامبريدج”، بيد أنها كانت “مُعقدة” بعض الشيء.
كانت القاعدة تتحدث عن أنه يعتبر أي لاعب متسللاً ما دام يتواجد في الملعب في منطقة قبل الكرة، تمامًا كما هو التسلل في لعبة “الرجبي”.
وفي هذا الوقت، لم تكن “قواعد شيفيلد” المُنظمة لكرة القدم تحتوي على أي ذكرى للتسلل، بل كان هناك لاعبون يتواجدون بالقرب من المرمى بشكل دائم لاصطياد الكرات الساقطة، ولكن كل هذا الجدل انتهى في عام 1863، حين تم وضع أول قواعد “موحدة” للعبة كرة القدم.
وكان شرح “التسلل” حينها يقول أنه لم يُسمح بتمريرات أمامية أو قطرية من أي نوع، باستثناء الركلات من وراء خط المرمى، عندما يقوم أحد اللاعبين بركل الكرة، وإذا كان أي لاعب من نفس الفريق أقرب إلى خط المرمى من الخصم يكون خارج اللعبة ولا يجوز له أن يلمس الكرة بنفسه، أو بأي شكل من الأشكال يمنع أي لاعب آخر من القيام بذلك، ولكن لا يوجد أي لاعب خارج اللعب عندما يتم ركل الكرة من خلف خط المرمى.
ما تعديلات قانون التسلل قبل وبعد الفار؟
القواعد السابقة استمرت لعقود، ولكن التعديل الأبرز لتلك القوانين جاء في عام 1925، حين طبق لأول مرة قاعدة “الخصمين” أي أن تواجد أي مهاجم وقبله لاعبين لمرمى الخصم، لا يجعله في وضع متسلل، مما أتاح الفرصة للمدربين للعب بالمزيد من الخطط الهجومية والعودة لزيادة عدد المهاجمين.
تبدل الشكل تمامًا وبدأت الفرق والمنتخبات في اللعب بثلاثة مهاجمين، بعدما كانت أغلب الخطط في القرن التاسع عشر، تتشكل من تسعة وثمانية مدافعين، وازدادت الغزارة التهديفية بشكل ملحوظ، وفقًا للأرقام التي شهدتها الدوريات حينها.
وتم تسجيل 4700 هدف في 1848 مباراة في دوريات كرة القدم عام 1924-1925، وفق عهدة كتاب “تاريخ التسلل” للكاتب “يوليان كاروسي”، ثم ارتفع هذا العدد إلى 6373 هدفاً (من نفس عدد المباريات) في موسم 1925-1926.
لذلك لم يكن الاعتقاد بأن كرة القدم في بدايتها كانت لعبة ممتعة غزيرة الأهداف، بل على العكس، قواعد التسلل كانت تفرض سيطرتها، وكان اللقاء الذي يشهد تسجيل هدفًا يتم الاحتفاء به وذكره في التاريخ، حيث فرضت نتيجة 0-0 كلمتها على أغلب المباريات.
وكان عام 1990 هو آخر الأعوام التي تم فيها تعديل هذا القانون، حين تم منح الأفضلية للمهاجم على المدافع، في حالة ما إذا كان الثنائي على خط واحد.
ما هي قواعد التسلل الحالية في كرة القدم بعد الفار؟
دون شك كانت حالات التسلل صداعًا مُزمنًا للحكام، لا سيما حكام الراية، ولكن بعد إقحام تقنية الفيديو المساعد أو “تقنية الفار” لمراجعة القرارات، باتت الأخطاء التي كانت شائعة في الماضي، نادرة في الوقت الراهن، ولكن أيضًا بقى الوضع “جدليًا” خلال العام الأول من تطبيق التقنية في الدوريات الكبرى.
ومع تفعيل الفار في أكثر دوريات العالم متابعة -البريميرليج- زادت المطالب ببعض التعديلات في تناول الحالات، بعدما باتت غرفة الفيديو تحتسب التسلل بسبب تقدم الكتف أو الفخذ أو جزء من الركبة عن آخر مدافع، وهو ما سبب الكثير من الضجر للجماهير، حيث ادعت أن تلك المناطق لن تفيد المهاجم في أي شيء أثناء تسجيله للهدف.
ولكن دون النظر إلى تلك التفاصيل الدقيقة، بقى تدخل الفار حاسمًا في تلك المسألة، وأصبحت الأخطاء “الفجة” غائبة عن أغلب المباريات، على الأقل اللقاءات الحاسمة والمصيرية، حيث رأى الجميع على سبيل المثال ما حدث في نهائي رادس لنسخة دوري أبطال أفريقيا 2019 بين الترجي الرياضي التونسي، والوداد الرياضي المغربي، حين انسحب الأخير بسبب إلغاء الحكم لهدف مغربي بعد اعتباره وجود المهاجم “وليد الكرتي” في وضعية تسلل لم تكن موجودة بالأساس، وأدى تعطل الفيديو لجعل الأمر أكثر سوءً.
لماذا عارض فينجر قانون التسلل؟
وبالحديث عن الاعتراضات التي طالت نظام رؤية “الفيديو” لحالات التسلل، قاد مدرب آرسنال السابق “آرسين فينجر” حملة المُطالبين بتعديل القانون، وعدم احتساب الحالات بناءً على تقدم أي جزء لن يفيد المهاجم في هجمته، حيث لا داعي لحرمان الفرق من أهداف بسبب جزء من الكتف أو تقدم إصبع القدم.
وصرح فينجر بخصوص هذا الصدد عبر قناة بي إن سبورتس قائلاً “حين تم تعديل القانون، وحصل المهاجم على الأفضلية، لم تكن تلك الأفضلية تعني أن يلتزم بنفس الخط مع المدافع، فهذا ترك للعين المجردة، أما مع الرجوع للفيديو فيجب أن تتعدل الصورة، مع الإعادات البطيئة ومنح الوقت للتأكد”.
ثم تابع الفرنسي “لقد عرضت وجهت نظري لمسؤولي الاتحاد الدولي، وهي احتساب التسلل في حال ما استخدم المهاجم الجزء المتقدم في جسده في ترويض أو لعب الكرة، وليس فقط تقدمه بأجزاء من الثانية عن ثاني آخر مدافع”.
وناقشت الجهة المسؤولة عن سن قوانين الكرة “إيفاب” التعديلات التي من الممكن أن يتحسن الوضع، خلال اجتماعها الأخير، بداية شهر مارس الجاري، ولم تخرج حتى الآن بقرارات رسمية، ولا سيما عقب انتشار أعراض الكورونا الاولية على مستوى العالم في الأيام الأخيرة.
ما هي قواعد التسلل الجديدة في كرة القدم لعام 2023؟
منح مجلس IFAB المسؤول عن تعديلات قانون اللعبة الضوء الأخضر لتجربة المقترح الذي تقدم به فيفا بتعديل المادة 11 في قانون التسلل تمهيدا لتطبيقه عام 2024.
تتمركز فكرة التعديل الجديد على السماح للمهاجم بالتقدم بجزء من جسمه على آخر ثاني مدافع أو الكرة عند خروج الكرة من زميله الممرر.
ويعتبر اللاعب متسللا في مباريات كرة القدم خلال عام 2023، إذا كان أي جزء من جسده -باستثناء ذراعيه- متقدما على آخر ثاني مدافع أو الكرة عند لعب الكرة من زميله.
ويقود صاحب فكرة تعديل القانون الحالي للتسلل المدرب الفرنسي أرسين فينغر حملة تعديلات على قانون كرة القدم، واستلهم فينغر فكرة التعديل بعد اطلاعه عام 2021 على دراسة أجريت في الدوري الإنجليزي الممتاز تشير إلى أن حالات التسلل ستنخفض إلى النصف في حال إلغاء التسلل بجزء من الجسد، وهو أمر سيجعل كرة القدم أكثر هجومية، وبالتالي أكثر أهداف وإثارة.
قرر الفيفا تجربة مقترح قانون التسلل الجديد تحت إشراف خبراء التحكيم، والبداية من دوريات بعيدة عن الدرجة الأولى في بعض الدول، منها هولندا وإيطاليا والسويد، بعدها سيتم رفع تقريرا سيقرر تطبيق القانون الجديد ليتم إقراره في اجتماع مجلس كرة القدم لتشريع القوانين مارس 2024.
وبعد إقراره من قبل المجلس الدولي للقوانين الكروية، سيتم تعديل المادة 11 (التسلل) والبدء بالعمل بالتعديل بداية من يوليو من العام نفسه أو بداية الموسم 2024-2025، وذلك لمنح الحكام فرصة للتدريب على التعديل والفرق فترة كافية للتعرف والتدريب عليه أيضا.